ثقافة وفن

قراءة الهوية التربوية والاجتماعية في “صمت الكامنجات “لسعد الشرايبي”

برعي محمد
نظم نادي الشاشة الكبرى بمدينة مكناس في إطار الشراكة بين الجامعة الوطنية للأندية السينمائية ووزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة، وبتعاون مع المديرية الإقليمية للثقافة بالمدينة يوم الخميس25شتنبر2025 أمسية سينيمائية متميزة خصصت لعرض ومناقشة الفيلم المغربي “صمت الكمنجات “بحضور مخرجه سعد الشرايبي والممثل القدير عز العرب الكغاط وذلك بالمركز الثقافي محمد المنوني بالمدينة،في لقاء جمع بين الفن ،الفكر والتفاعل المباشر مع الجمهور وقد شكلت هذه الأمسية فرصة للغوص في أعماق الفيلم واستكشاف ابعاده التربوية الرمزية والاجتماعية من خلال نقاش مفتوح بين المخرج والحضور وبتيسير من الأستاذ عبد العالي الخليطي أحد رواد السينما المغربية.
توطئة:
يعد فيلم “صمت الكمنجات” للمخرج المغربي “سعد الشرايبي “تجربة سينمائية فريدة تتجاوز حدود السرد التقليدي لتغوص في عمق الأسئلة التربوية والاجتماعية والرمزية التي تؤرق المجتمع المغربي المعاصر. من خلال لغة بصرية موسيقية حيث يعيد الفيلم تشكيل العلاقة بين الفرد والمجتمع، وبين الذاكرة والهوية، في سياق تربوي غير مباشر، لكنه بالغ التأثير. فالبعد البصري هاهنا جاء متكاملا ليشكل خطابا تربويا رمزيا متعدد الطبقات ،لم تكن الصورة مجرد وسيلة لنقل الاحداث بل تحولت الى لغة قائمة الذات ،تنقل المعاني وتربي الذوق وتحفز التأمل في سؤال الهوية والانتماء والتوارث الثقافي في مجتمع يعيش تحولات متسارعة.
التربية كفعل وجداني:
أحداث فيلم”صمت الكامنجات” وسيرورة تطورها تكتنف شخصية الحاج علال، الموسيقي العجوز، التي تمثل نموذجا تربويا غير تقليدي ، فهو لا يلقن حفيدته حفصة دروسا مباشرة، بل يورثها ذاكرة موسيقية مشبعة بالقيم، والحنين، والانتماء(ذاكرة تجسد تاريخ المغرب بكل تشكلاته الإيجابية الاجتماعية والتربوية ….) هذا النموذج يطرح رؤية تربوية بديلة حسب معطيات الفيلم، حيث يصبح الفن وسيلة لغرس القيم، وتشكيل الوعي، بعيدا عن التنميط المدرسي أو الخطاب السلطوي المتشكل في فكر الأب(رجل تعليم) حيث تبد رؤيته للأمور غير واضحة بل ومنغلقة أمام التغيرات التي تعرفها المنظومة التعلمية بانفتاحها على الحياة المدرسية التي تشكل خيارا تربويا استراتيجيا يهدف الى جعل المدرسة فضاء متكاملا للتعلم والنمو، لايقتصر على التحصيل الاكاديمي فقط، بل يمتد ليشمل بناء الشخصية ،ترسيخ القيم وتطوير المهارات الحياتية لدى المتعلمين…جون جاك روسو وجون بستالوتزي :اعتبرا في دراسة مقارنة عن فلسفة التربية الموسيقية ، أن التربية الموسيقية تساهم في تنمية الحس الأخلاقي والاجتماعي وتعد وسيلة فعالة لتكوين شخصية متوازنة.
أزمة الهوية وصراع الأجيال:
الفيلم يعكس بعمق أزمة الهوية التي يعيشها الشباب المغربي، ممثلًا في شخصية حفصة التي تبحث عن ذاتها في عالم يتغير بسرعة. “صمت الكمنجات” هنا ليس مجرد غياب للصوت، بل هو تعبير رمزي عن غياب التواصل بين الأجيال،تواصل قد يبدو موجود نعم موجود من خلال الدلالة الرمزية السطحية لمفهوم التواصل لكن في عمق التواصل الحقيقي “التواصل الفعال “هناك قطيعة على كل المستويات حيث توسع الهوة بين الماضي والحاضر وهنا نتساءل عن الحاجة إلى إعادة بناء الجسور بين الماضي والحاضر. الحاج علال يمثل جيلا يحمل ذاكرة جماعية، بينما حفصة تمثل جيلا يعيش في مفترق طرق، بين الحداثة والتراث، بين الفردانية والجماعة.
ولنقترب أكثر، فيلم “صمت الكمنجات” يتناول الحديث عن تراث الملحون، الذي أُدرج ضمن التراث الثقافي اللامادي العالمي، باعتباره ذاكرة موسيقية وشعرية مغربية أصيلة. غير أن هذا التراث، رغم قيمته الرمزية والتاريخية، يبدو في نظر كثير من شباب اليوم كأطلال ، تماما كما ينظر بعضهم الى المعلقات الشعرية شكلا ومضمونا لا تمت لواقعهم بصلة، ولا تثير فيهم سوى الحنين الغامض أو اللامبالاة.
سعدالشرايبي ومعه الفريق التقني يطرح هذا التناقض بذكاء، من خلال شخصية حفصة التي تمثل الجيل الجديد، الجيل الباحث عن الذات وسط ضجيج الحداثة. في مقابل الحاج علال، الذي يحمل ذاكرة الملحون كهوية، وكقيمة تربوية، وكوسيلة للتعبير عن الذات والارتباط بالجذور.
“صمت الكامنجات” يطرح أسئلة اجتماعية جوهرية:
كيف يمكن لجيل جديد أن يجد ذاته في تراث لم يشرح له، بل ترك له كأطلال؟
وهل يمكن للموسيقى أن تكون لغة بديلة لفهم الذات والآخر؟
رمزية الوعي التربوي:
“الكمنجات”، في صمتها، تتحول إلى رمز تربوي عميق. إنها تمثل الذاكرة، والهوية، والحنين، وربما حتى الألم المكبوت في السياق التربوي، يمكن اعتبارها أداة لنقل القيم عبر الإيحاء والانغماس في الجمال. الصمت هنا ليس سلبا، بل فعلا تربويا يعيد تشكيل العلاقة بين الذات والآخر، وبين الفرد والمجتمع.
التحول الاجتماعي عبر الفن حقيقة ووهم:
الفيلم يطرح سؤالًا جوهريًا: هل يمكن للفن أن يكون أداة للتغيير الاجتماعي؟ وهل يمكن للتربية الجمالية أن تعيد تشكيل الوعي الجمعي؟ من خلال الموسيقى، يعيد الشرايبي طرح هذه الأسئلة، مؤكدًا أن الفن ليس ترفا، بل ضرورة تربوية واجتماعية، خاصة في زمن التحولات، وقد زكى أحد الطلبة في جلسة الحوار ما جسد له هذا الفيلم على مستوى الفكر الجمعي والتغيرات التي عاشها في حياته لدرجة أن فلسفة الفيلم يعيشها ويتذكرها عن مضض رغم أنه تشكل جزء من حياته.
خلاصات تفاعلية لابد منها:
“صمت الكمنجات” خطاب تربوي اجتماعي رمزي، يعيد التفكير في مفاهيم التربية، الهوية، والذاكرة. إنه دعوة لإعادة بناء العلاقة بين الأجيال، ليس عبر الكلمات بالضرورة، بل عبر الصمت، والموسيقى، والجمال. في زمن الضجيج.
الفيلم يبرز فن الملحون كتراث مغربي اصيل ليس فقط للعرض او التوثيق بل كوسيلة لتربية الذوق وتعزيز الانتماء وتشكيل الوعي لدى الأجيال الجديدة.
من خلال علاقة حفصة بجدها الحاج علال نعي أن نقل القيم لايتم عبر الخطاب المباشر بل عبر العيش المشترك والتجربة والمشاركة ..
الموسيقى في الفيلم وسيلة للتامل في الذات والمجتمع.
شخصية الحاج علال في فيلم”صمت الكامنجات” نموذج مركب للجيل القديم ،الحامل للذاكرة الموسيقية والتراثية والمثقل في الوقت نفسه بصراعات داخلية وهو ما يظهر الشخصية التربوية الحكيمة المعتمدة اجتماعيا واسريا بلون اخر ووجه اخروهوبروزالجانب الإنساني الهش فيه حيث كان يشرب “الخمر” في غفلة من الاخرين وهو سلوك لا يقدم إدانة أخلاقية له بل هوعلامة على التناقض الداخلي الذي يعيشه الحاج بين ما يمثله اجتماعيا من سمو الثقافة والأخلاق وحصن الموروث وما يشعر به من الم …الحاج علال انسان معقد يحمل في داخله جمال الموسيقى والم الصمت وسر الخمر ،ان ما يفعله الحاج يتعارض مع صورته العامة وهو ما يبرز الصراع بين الذات الاجتماعية والذات الحقيقية…
الاب والام تمثلان لذاتين متناقضين:الاب الذات المنفصلة الغائبة لايحمل مشروعا تربويا واضحا والام الذات الحامية المترددة تجسد الحماية العاطفية لكنها لاتملك أدوات تربوية فعالة .
ختام الذات:
ختاما نقول ومن خلال عرض فيلم “صمت الكمنجات ” يتاكد أن السينما ليست مجرد وسيلة للترفيه ،بل فضاء تربوي رمزي قادر على اثارة الأسئلة العميقة حول الهوية والانتماء والتربية ..

اظهر المزيد
زر الذهاب إلى الأعلى