من إعداد: كوثر الكوط
شهد تاريخ المغرب منذ القدم، ومع تعاقب السلالات الحاكمة والسلاطين، مرور شخصيات نسائية بارزة ومؤثرة، لعبت دورا سياسيا مهما في العديد من المواقف التاريخية الحاسمة، ونذكر من بينها شخصية الأميرة “كنزة الأوربية”
هي “كنزة الأوربية” البرنوصية التازية المغربية إبنة إسحاق إبن محمد إبن عبد الحميد الأوربي أمير قبيلة أوربة، لا توجد معلومات دقيقة حول تاريخ ميلادها أو وفاتها ،و هي زوجة السلطان إدريس إبن عبد الله الهاشمي القرشي ، وعاتكة بنت عبد الله إبن الحارث المخزومي.
ولد عام 127 ه/ 743 م,
عقد قرانهما سنة 174 ه, بمهر يقدر ب 600 دينار, وجاء هذا الزواج رغبة من قبيلة أوربة في توطيد العلاقة مع السلطان إدريس الأول بعد أن ٱستقبلوه وٱستضافوه، فقد جاء إليهم عابرا مجموعة بلدان ومدن، متخفيا في زي خادم وكانت تلك فكرة راشد الأوربي، فغادرو وسط الحجيج العائدين الى مصر بعد أن نجى من موقعة فخ قرب مكة سنة 169ه /785 م، حتى لا يحاط به، فقد كان موضع بحث بالنسبة لأبو محمد موسى الهادي رابع خلفاء الدولة العباسية .
فغادر مصر رفقة راشد الأوربي داخل قافلة البريد التي كانت معفية من التفتيش فإختارا التوجه الى المغرب بترغيب من راشد بعد أن مرا بالقيروان وتلمسان. فحلا بوليلي وأسس إدريس الاول الدولة الإدريسية سنة 172 ه، بعد أن بايعته قبيلة أوربة لما رأته منه من حسن خلق وأدب وتفقه في الدين ثم بايعته قبائل زناتة, وزواغة ,وسدراتة، وغياثة، ومكناسة، وغمارة ،وكافة البربر في المغرب الاقصى ،
وكانت الأميرة ” كنزة” له نعم الزوجة الصالحة، رغم قصر فترة زواجهما التي لم تدم طويلا، حيث تعرض السلطان إلى مؤامرة أعدها له هارون الرشيد، بعدما لاحظ توسعه وفرض سلطته على المغرب الاقصى، فقام بإرسال المدعو “سليمان الشماخ” لقتله والذي نجح في ذلك بفضل قارورة عطر مسمومة، ٱستنشقها السلطان إدريس الأول فسقط قتيلا بعد أن تسرب السم الى جسمه.
وبوفاة السلطان إدريس الأول، ٱعتبر الكل أنها كانت نهاية الدولة الادريسية بالمغرب، حيث انه لم يكن له أبناء ،حتى جاءت المفاجأة فزوجته “كنزة الأوربية” حامل وسيكون المولود وليا للعهد وسلطانا من ظهر سلطان. أنجبت الأميرة مولودا ذكرا، وتولت تربيته أحسن تربية، وسهرت على إطعامه، وتولي أموره بنفسها حتى لا يسقط ضحية مؤامرة أخرى كما تلك التي أودت بحياة أبيه, فأسمته إدريس تيمنا باسم والده، وعند بلوغه الحادية عشر من عمره جمعت له بيعة القبائل ودعمهم، فنصب سلطانا رغم صغر سنه، وتزوج في عمر 16 ،ورزق ب 12 مولودا ذكرا ، وكانت أمه الأميرة “كنزة الأوربية” تدعمه وتسانده فأتم بناء مدينة فاس، وٱتخذها عاصمة له، الى أن شاء القدر ان يتوفى عام 213 ه، نتيجة حبة عنب علقت في زوره فأردته قتيلا.
ولم يتوقف دور “كنزة الأوربية” هنا، بل كان رأيها الرشيد وحكمتها البالغة سببا في ٱستمرار دولة الأدارسة وإزدهارها، فعند وفاة إبنها المولى إدريس الثاني في سن السادسة والثلاثين، أشارت على حفيدها الأكبر محمد إبن إدريس، بعد أن تولى الولاية وبويع مكان والده، بتنصيب ثمانية من إخوته على المناطق التي سيطر عليها والدهم المولى إدريس التاني، تجنبا لنزاعات حول الحكم، وحفاظا على السلالة من الطمع والخلافات، وتجنب نشوب حروب بين الإخوة، وبالتالي ضياع الدولة الادريسية وبقي باقي الإخوة الصغار تحت ولايته.
مبرهنة برجاحة فكرها وحسن تدبيرها على قدرة المرأة منذ القدم على حسن التدبير والتسيير، وحفرت بذلك اسمها في التاريخ كنموذج يحتذى به للمرأة المغربية السياسية الواعية، والزوجة المخلصة الصالحة ،والام الحكيمة.