توفيق اجانا
مكناس وكغيرها من المدن المغربية العتيقة، التي حظيت بمشروع ملكي لتأهيل وتثمين مدينة مكناس في سياق التنمية السياحية والثقافية ،نظرا لما تزخر به من تاريخ عريق ، وإدراجها كتراث عالمي من قبل اليونسكو ، وفي هذا الإطار تأتي جهود التثمين لتعزيز هذه المكانة، لتأهيل المعالم التاريخية مما يعزز من جمال المدينة ويحافظ على هويتها المعمارية لكي تتبوأ مكانة مرموقة على خريطة السياحة المغربية ، في إطار تنسيق محكم بين عدة خطوات ومجالات تشمل الجوانب الثقافية، والاقتصادية،والبيئية ، تضمن تحقيق تكامل بين التثمين والخريطة السياحية لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق ما بعد التثمين ؟.
مرحلة ما بعد التثمين هي المرحلة التي تُركز على تعزيز الاستدامة والترويج الفعال للمعالم والمواقع التي تم تثمينها بالفعل، مع الاستمرار في تطوير التجربة السياحية وتحقيق العوائد الاقتصادية والثقافية، لتعزيز القيمة المضافة للمواقع والمعالم المُثمّنة. هذا البرنامج يُعتبر أداة لتطوير البنية التحتية والخدمات، مع التركيز على معالجة الثغرات وتحقيق التكامل مابين التثمين والتوظيف الذي يحتاج هذا الأخير إلى إعداد دراسات نحو رؤية إستراتيجية تعنى بتحويل عملية التثمين إلى مشاريع ملموسة تحقق تنمية اقتصادية، اجتماعية، وثقافية متكاملة ومستدامة. من خلال التركيز على الاستفادة من المواقع المثمنة في جذب الاستثمارات، وتوفير فرص العمل، وتعزيز الوعي البيئي، والهوية الثقافية ، لتحقيق قيمة مضافة في إطار المزاوجة بين المآثر الإسماعيلية والمآثر المرينية لإبراز الامتداد التاريخي والثقافي الذي يربط بين مرحلتين بارزتين في تاريخ مدينة مكناس . هذه المزاوجة تُتيح فرصة لخلق تجربة سياحية وثقافية متكاملة تبرز التنوع والعمق الحضاري للمدينة مما يعزز من جاذبية مكناس كوجهة سياحية وتاريخية ، ولتنزيل هذه الرؤية يمكن إتباع نهج منهجي يشمل تحليل جميع الجوانب المرتبطة بها، بما في ذلك الأبعاد الاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، والبيئية، من خلال استخدام أدوات تخطيط مبتكرة وآليات تنفيذ فعّالة ، والتي يمكن أن تلعب دورًا محوريًا في تنزيل هذه الرؤية، إذ تسهم في تعزيز السياحة المحلية والدولية عبر توفير وسيلة نقل مريحة لربط المواقع السياحية المختلفة. كما تتيح فرصة لإبراز التراث الثقافي والمعالم التاريخية من خلال جولات منظمة تساهم في تنشيط الاقتصاد المحلي ولا يسع المجال إلا وان نختزله في سؤال يفتح الباب للنقاش حول مستقبل المدينة وما مدى إمكانية توفير حافلة سياحية ، ألا تستحق مدينة مكناس حافلة سياحية ؟ سؤال إذا تبادر إلى الذهن يبدو بسيطًا والإجابة عليه لا تحتاج إلى تردد ” نعم” فمدينة مكناس بموروثها الثقافي والتاريخي الغني، تُعد وجهة سياحية بارزة تستحق هذا النوع من الخدمات لكن إذا لم يتم احترام مجموعة من المعايير أو تحديد إستراتيجية تساهم في التنزيل السليم، قد نكون أمام مشروع محكوم عليه بالفشل .
كيف يمكن المزاوجة بين مرحلتين، مرحلة المآثر الإسماعيلية ، ومرحلة المآثر المرينية في استغلال الحافلة السياحية ؟ لا يمكن إغفال مرحلة عن أخرى لأنهما تميزتا بمعالم تاريخية هامة ،حيث يمكن دمج الفترتين ضمن السياحة الثقافية في المدينة بشكل يتناغم مع بعضها البعض، لكن مع التركيز على دور كل فترة في تشكيل هوية المدينة وكما يقول المثل الشعبي “اللي فرط يكرط” ونأخذ على سبيل المثال باب منصور والمدرسة البوعنانية في مكناس: باب المنصور يتميز بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين عناصر مغربية وإسلامية، ويعكس المهارة الهندسية والبراعة الزخرفية في عهد المولى إسماعيل. فالزخارف الفسيفسائية والنقوش القرآنية التي تزين الباب تُبرز عظمة تلك الحقبة. أما المدرسة البوعنانية تظل شاهدة على تطور التعليم والثقافة في المغرب خلال فترة حكم المرينيين، وهي واحدة من المعالم التي تساهم في تسليط الضوء على دور المرينيين في تطوير مكناس كمدينة ثقافية وعلمية.
هو سرد لإبراز معالم هاته المزاوجة وأهميتها والتي ينبغي أن تكون حاضرة في كل تخطيط استراتيجي، لذلك يستوجب تحديد شروط مدار الحافلة السياحية بمكناس التي تستهدف المآثر الإسماعيلية ، وأيضا التركيز على المرحلة المرينية التي تتطلب إنشاء مسارات سياحية مرينية تبدأ من نقاط تجمع مركزية مثل باب بردعيين وتنتهي في مواقع بارزة مثل المدرسة البوعنانية والأسوار. هذا من جهة ومن جهة ثانية لايمكن تصور حافلة سياحية بمدينة مكناس دون إتمام التثمين وتأهيل المدينة ،فاستكمال تأهيل المدينة يعتبر أحد الشروط الأساسية لنجاح مشروع الحافلة السياحية في مكناس بما يتماشى مع تشغيل الحافلة السياحية ، كتطوير البنية التحتية التي تحتاج إلى تحسين الشوارع (نظافة الشوارع ، الإنارة ،الأرصفة ، المظهر البيئي، الامن…) والطرقات المخصصة للحافلات السياحية لاستيعاب الحركة المرورية بشكل سلس وآمن ، والعمل على صيانة الطرق وتوسيع بعضها إذا لزم الأمر لتفادي الازدحام، خاصة في المناطق التي تشهد تدفقًا سياحيًا مرتفعًا.
الاهتمام بشروط المشروع ليس فقط لضمان نجاحه، بل أيضًا لتعزيز مكانة مكناس كوجهة سياحية عالمية لكن إن لم يتم مراعاة تلك الشروط سنكون أمام مشروع قد يواجه صعوبات كبيرة يؤدي إلى فشله كما حدث ، لمدينتي طنجة ومراكش، التي واجهت مشاكل عديدة سواء تعلق الأمر بالتنظيم المروري، اوالبنية التحتية، أو الأمن، أو التلوث…
يتبع…