عبد الحكيم الناصف بوروايل
منذ القدم، كان هناك نقاش مهم حول اتخاذ المواقف الصائبة بكل شجاعة وثبات والالتزام بها، ومن جهة أخرى، عدم اتخاذ أي موقف أو “اللاموقف” وذلك في انتظار الجهة الرابحة لمساندة موقفها والموافقة عليه. وكثر هذه الأيام الكلام والتحليل والنقاش حول إبداء الرأي والرأي الآخر حول هذه المفاهيم والسلوكيات التي تظهر من خلالها كثير من الصفات الإنسانية، تارة النبيلة مثل التمسك بالمواقف والنضال من أجل تحقيقها والمرونة الإيجابية في إيجاد الحلول، وتارة صفات غير نبيلة مثل الانبطاحية والانتهازية والحياد السلبي.
تصنيف هذه الصفات كلها نسبي وغير “قطعي”، إذن لابد أن نطرح السؤال التالي: مقارنة عدم اتخاذ أي موقف “اللاموقف” مع انتظار الجهة الرابحة لاتخاذ موقف لصالحها، أو اتخاذ موقف دائم مع ولي نعمته بكل انبطاحية من أجل مصلحة ما أو مصلحة شخصية؟ الجواب يأتي دائمًا نسبي وغير قطعي لأن كل تصرف إنساني معين له مزايا وعيوب ومخاطر وانتظارات.
عدم اتخاذ أي موقف “اللاموقف” في انتظار الجهة الرابحة:- المزايا:
- المرونة: يسمح للشخص بالبقاء مرنًا وانتظار رؤية النتائج قبل اتخاذ موقف.
- تجنب المخاطر: يقلل من خطر اتخاذ موقف غير شعبي أو خاطئ.
- الحياد: يمكن اعتباره تصرفًا حياديًا، مما يقلل من التوترات والصراعات.
- العيوب:
- الافتقار للقدرة القيادية: قد يُنظر إلى الشخص على أنه غير قادر على اتخاذ قرارات صعبة.
- عدم الثقة: يمكن أن يُنظر إليه على أنه غير موثوق به لأنه لا يظهر الدعم لأي طرف.
- فقدان الفرص: قد يفوت الشخص فرصًا للتأثير على الأحداث أو الاستفادة من الأوضاع.
اتخاذ موقف دائمًا مع ولي نعمته بكل انبطاحية من أجل مصلحة ما:- المزايا:
- الحماية والدعم: يمكن أن يحظى الشخص بالدعم والحماية من ولي نعمته.
- المصالح الشخصية: قد يحصل الشخص على مكاسب مادية أو معنوية.
- العيوب:
- فقدان الاستقلالية: يصبح الشخص تابعًا لولي نعمته ويفقد قدرته على اتخاذ قرارات مستقلة.
- فقدان الاحترام: يمكن أن يُنظر إلى الشخص على أنه انبطاحي وغير مبادئ.
- المخاطر المستقبلية: قد يواجه الشخص مشاكل في المستقبل إذا تغيرت الأوضاع أو إذا فقد ولي نعمته قوته.
بالمقارنة:- عدم اتخاذ موقف يمكن أن يحافظ على الحياد ويقلل من المخاطر، لكنه قد يفوت فرصًا مهمة ويعكس ضعفًا في القيادة.
- اتخاذ موقف دائمًا مع ولي النعمة قد يوفر حماية ودعمًا فوريين، لكنه يفقد الشخص استقلاليته واحترامه، ويعرضه لمخاطر مستقبلية إذا تغيرت الأوضاع.
موضوع “اللاموقف” و”الانبطاحية” قد استرعى انتباه العديد من الفلاسفة والمفكرين عبر العصور. إليك بعض الأفكار الرئيسية للفلاسفة حول هاتين الظاهرتين:
اللاموقف:- سقراط: أكد سقراط على أهمية المشاركة الفعالة في النقاشات والأفكار. قد يرى أن اللاموقف هو شكل من أشكال الاستسلام الفكري وعدم الاستعداد للتفكير النقدي.
الانبطاحية:- نيتشه: انتقد نيتشه بقوة من يعتبرهم “عبيدًا” للأفكار والمعتقدات السائدة. يرى أن الانبطاحية هي ضعف وقبول بالهيمنة الآخرين دون مقاومة.
تحليل الفلاسفة:كل من “اللاموقف” و”الانبطاحية” يُنظر إليهما بشكل سلبي من قِبل الفلاسفة لأنهما يتعارضان مع قيم الحرية والاستقلالية والمسؤولية الشخصية. ولكل منا مسؤولية في اتخاذ مواقف تعبر عن قيمه ومعتقداته، والعمل بشجاعة واستقلالية في الحياة اليومية.
في النهاية، الخيار الأفضل يعتمد على الظروف الخاصة والقيم الشخصية لكل فرد. من المهم أن يتذكر الشخص أن التوازن والاعتدال في اتخاذ القرارات يمكن أن يؤدي إلى نتائج أفضل على المدى المتوسط والطويل.