فسحة الطيب بنعبيد

مراحل تنامي ظاهرة الغش في المغرب


إن ظاهرة الغش في الإمتحانات شهدت ثلاث مراحل بارزة في المسار التعليمي بالمغرب:
1-المرحلة الأولى : كان الغش كماليا، بمعنى أن التلميذ كان يدخل الإمتحان مستعدا ومزودا برصيد معرفي مكتسب جيد ولكنه قد يلجا أحيانا إلى النقل إذا تعذر عليه إنجاز تمرين ما

وبشكل استثنائي .وقد كان الكل يجرم النقل وينفر منه باقتناع بما في ذلك التلاميذ أنفسهم إلا ما شد ونذر. وقد كان للإمتحان هيبة فعلية ومستحقة وكانت له قيمة تربوية ووظيفية وإقتصادية واجتماعية…وكان النجاح فيه نجاح حتى في الحياة.
2-المرحلة الثانية: والتي تعتبرانتقالية و بداية للأزمة وهي عندما أصبح التلميذ يفقد ثقته في قدراته نسبيا فاصبح ينقص من مجهودات الاستعداد للامتحانات ويتسلح بقصاصات نقل للطوارئ فكان الجمع بين المخزون المعرفي العقلي والمنقول بالقصاصات.والوزارة الوصية لم تعط للموضوع اهمية فاستفحل المرض وتطور.لنصل لمرحلة الكارثة.
3-المرحلة الثالثة الحالية والتي تعتبر كارثية بامتياز، والمتمثلة في فقدان التلاميذ وأسرهم الثقة في التعليم ككل، فيقضي التلاميذ السنة الدراسية كلها في اللعب واللهوواللامبالاة ورفض المعرفة علنيا،واحتقار كل من له علاقة بها . وساعة الامتحان يجندون كل طاقاتهم وقدراتهم التكنولوجية للغش والنجاح دون القيام بأدنى مجهود عقلي،وهنا تطورت قدرات الغش لتصل لمستويات حيرت المراقبين ، فوضع التلاميذ الممتحنون كل ثقتهم في النقل وتخلوا بشكل نهائي عن الحفظ والمراجعة والاستعداد ، بل أصبح التلاميذ لا يقومون حتى بمجهود قراءة وفهم السؤال، إذ مباشرة بعد توزيع أوراق الامتحان تبدأ هستيريا البحث عن الأجوبة من الآخر بكل الطرق المتطورة غير المشروعة ، فتبدأ المعركة الشرسة بين التلاميذ والأساتذة الحراس الذين وبالرغم كل محاولات ضبط الغش يفشلون وذلك بسبب تمكن الممتحنين من آخر التقنيات التكنولوجية وتوظيفها بذكاء كبير في الغش …ولكن المصيبة الأخرى هي أنه بالرغم من النقل والغش فهل يعرف التلاميذ ماذا ينقلون؟ وهل يفهمون ما ينقلون وهم كان غائبين فكريا طوال السنة الدراسية رغم حضورهم الجسدي بالقسم؟.
سقوط مستوى التلاميذ
إن مراقبة بسيطة لأوراق أجوبة التلاميذ في الامتحانات الإشهادية تجعلنا نلاحظ مقدار فضاعة المستوى التعليمي لناشئتنا بما يشبه الكارثة، إذ تحول الطالب إلى آلة تستنسخ كل شيء دون فهمه ولا معرفة معناه.فعندها يتوصل الممتحن بأية إجابة بالطرق الملتوية فإنه.

ينقلها مباشرة حتى دون معرفة مضمونها ولا معناهاولا مناسبتها للسؤال بل حتى للمادة .ومن الأمثلة التي صادفناها وتؤكد هذه المهزلة:
*انتفاء العلاقة بن الجواب والسؤال إذ يصب كل منهما في واد وهذا يعني أن التلميذ الغشاش لا يعرف أصلا ما يكتب، وهي مصيبة تضرب العملية التعليمية في الصميم وتنفي أدنى القدرات العقلية.
*نقل نفس أجوبة الآخرين وكأنما أوراق الإمتحان نسخ لنفس الأجوبة وبشكل جلي فلا تختلف الأوراق إلا في الإسم والرقم فلا يقوم الممتحن بأي مجهود ولو بسيط للتغيير لأنه أصلا لا يعرف ما يكتب ولا يفهمه ولا قدرة له للتغييرفيه.
*عجز التلاميذ غالبا – حتى في مستويات عليا- من صياغة جمل سليمة البناء وكلمات صحيحة الإملاء، ونصوص سليمة التركيب ، تتناسب مع المطلوب.
*كتابة ما لا معنى له ، وهي حالات صادفناها هذه السنة وتتمثل في كتابات يستحيل أن تقرأ إذ هي حروف مترابطة لا معنى لها ولا ترابط وكأنما هي فارسية. وبعد التحري فهمنا بأن هؤلاء التلاميذ قد نقلوا أجوبة (في غفلة من الحراس) من هواتف لا تتوفر على اللغة العربية فجاءت الكلمات معكوسة بالهاتف فنقلوها كما رأوها دون القيام حتى بمجهود فهم معنى ما يكتبون…فهل وصل بنا الأمر إلى هذه المهزلة والاستهتار، والغريب في الأمر أن هذه الفئة تخرج من الامتحان راضية وأملها في النجاح كبير لأنها وضعت الثقة فيما نقلت.
فوالله إنها لكارثة.
إن ما وصلنا إليه هو نتيجة وليس ظاهرة، ذلك أن الداء استفحل وللخروج من الأزمة أصبحت الوزارة الوصية تجرب علينا وصفات صحية مستوردة من الخارج سرعان ما تبدلها بأخرى في يأس ملحوظ وتخبط خطير.
الإستهانة برجل التعليم
في الحقيقة إن خيوط هذه الوضعية الكارثية متشابكة ولكنها في عمقها نتيجة للإستهانة بقيمة ودور رجل التعليم المفعل الحقيقي للعملية التعليمية والمنفذ للإصلاح. ونتيجة حتمية لوضعيتة التي بلغت الحضيض على كافة الأصعدة .هذه الوضعية التي أهانت رجل التعليم ماديا ومعنويا واجتماعيا وفوق كل هذا وذاك أفقدته مكانته وهيبته وسلطته وكفاءته فتحول إلى ضحية مقصودة، الكل يتهمه والكل يهينه والكل يحمله مسؤولية الأزمة بينما تتنصل الأطراف الأخرى ويبقى هو المتهم الوحيد .فهل فعلا رجل التعليم هو المسؤول عن هذا التدهور التعليمي؟

بعض أسباب فقدان التعليم لمكانته
والحقيقة أن فقدان التعليم لمكانته وقيمته راجع إلى عدة أسباب ومنها:
*عقم المعارف المتوارثة والمقدمة للتلميذ في مقابل السيل المعلوماتي
اللحظي الذي يتلقاه التلميذ عبر الانترنيت، فلا يساير الأول الثاني.
*عراقة الوسائل التعليمية البدائية مع تغيير في الشكل لا في الجوهر كإبدال السبورة السواء بالبيضاء والطباشير بقلم الحبر الضخم كأقصى تطور للوسائل التعليمية مع إغفال التكنولوجية الحديثة إلا في بعض الأنشطة المناسباتية العارضة.إذ لازالت العديد من المؤسسات لا تتوفر عل حواسب للتلاميذ ولا ترتبط بالشبكة العنكبوتية. بل حتى القاعات المتعددة الوسائط في كثير من المؤسسات لا تفتح الا في المناسبات الجد نادرة. والغريب في الأمر أن الوزارة تقيد الأستاذ بمقرر دراسي عقيم محدد ولا تسمح له باستغلال زمنه بالطرق التكنولوجية الحديثة ، ويذكر أحد الأساتذة بمرارة كيف أنه قدم درسا في التوابع بطريقة نقنية معاصرة بالحاسوب. فصادف ذلك زيارة مفتش المادة الذي حاسبه على تجاوزه الطرق التقليدية للدرس وعاب عليه اجتهاده وطالبه بالالتزام بشروط مهارة التدريس التقليدية دون اجتهاد او مخالفة .
*حذف مجموعة من الطرق البيداغوجية الفاعلة السابقة وعلى رأسها الحفظ رغم ثبوت فاعليته المعرفية وقدراته على تنمية الذكاء والذاكرة.هذا في الوقت الذي لازال يعتمد حتى في الدول المتقدمة.
*استحالة التواصل الفاعل مع كافة التلاميذ بسبب الاكتظاظ الذي بلغ مستويات خطيرة تدخل في عالم الغرائب (50 أو 60 تلميذا في القسم).
*إعتماد كتب مدرسية فارغة شكلا ومضمونا . هاجس طابعيها الربح المادي بعيدا عن الهدف التربوي.
*انسحاب الآباء والأولياء شبه المطلق من دورهم في العملية التعليمية كشركاء مفترضين، واستهانتهم بدورهم.

عدم الانتباه لاهتمامات المتمدرسين وميولاتهم وما يساير عصرهم وتفكيرهم . وفرض دروس لاتهمهم ولا تفيدهم في الغالب إلا ما نذر.

سحب كل السلط من رجل التعليم وتحويله إلى بيدق سلبي ينفذ الأوامر ولا يساهم في الخلق والإبداع والإجتهاد فيما يخدم التلميذ -لأن ذلك ممنوع – فالأستاذ مقيد بالمذكرات وملزم بتنفيذ مضامينها ومقيد بالبرنامج والمقرروملزم بالتنفيذ حتى وإن كان لا يناسب نوعية وخصوصية تلاميذه .فرجل التعليم حتى وإن كان عبقريا ، تقتل فيه القيود عبقريته وتفرض عليه الإلتزام بالمذكرات والشكليات الفارغة بعيدا عن جوهر التعليم المتمثل في خدمة التلميذ. وإن أصر على الإجتهاد والإبداع يعتبر غير كفء ويعاقب بالطرق القانونية المعروفة.

خلل قانوني وتنظيمي للتعليم يضمن كرامة رجل التعليم ، إذ أصبحنا نعيش مفارقات غريبة في عالم التعليم تهين رجل التعليم بشكل مقصود وترفع قدر التلميذ الى مستوى مبالغ فيه . ففي الوقت الذي اشهرنا فيه بنود حقوق التلميذ، حرمنا الأستاذ من كل حقوقه وعلى رأسها كرامته، فأصبح الأستاذ مهزلة وسخرية أمام التلاميذ الذين تنمروا بحقوق لم يعرفوا جوهرها، فأصبحنا نعيش حالات تستحق منا التوقف عندها، ولا بأس من تقديم مثال متكرر في فصولنا الدراسية.وهو مثال للتأمل:
عندما يقوم التلميذ مشاغب بسلوك يتنافى مع القيم الاخلاقية أو التربوية أو عندما يرفض القيام بواجباته الدراسية أو عندما يتعدى حدوده ويتطاول على كرامة زملائه أو كرامة الأستاذ ويعرقل الدرس، ويحرم زملاءه من حقهم في المعرفة…ماذا يمكن لأستاذه أن يفعل؟؟
1-معاتبته ولومه، وهذا يعتبر تعنيفا نفسيا وهو ممنوع على الأستاذ.
2-تعنيفه بدنيا وهذا ممنوع قانونيا .
3-إخراجه من الفصل وهذا ممنوع لأنه يحرم التلميذ من حصته ويتحمل الأستاذ مسؤولية كل ما يمكن ان يقع له بالخارج خلال زمن هذه الحصة.
4-إعطاؤه عقوبة منزلية، وهي عقوبة تقليدية مرفوضة تربويا وأسريا وغير ذات قيمة.
5-كتابة تقرير وإحالته على المجلس التأديبي، إجراء لا فائدة منه لعدة أسباب ومنها طبيعة القرارات التي يمكن للمجلس اتخاذها مثلا:
*طرده: قرار مرفوض بمذكرة وزارية.
*توقيفه لمدة معينة : هو عبارة عن عطلة مبررة يعود بعدها التلميذ للفصل سعيداو بشكل طبيعي وكان شيئا لم يكن، وفوق كل ذلك هذا القرار مرفوض لأنه يحرم التلميذ من حقه في المعرفة.
*توقيع التزام لولي أمره عند السلطات: إجراء إداري لا قيمة له لأن المعاقب هنا هو الولي وليس التلميذ بل حتى أولياء الأمور لا يقبلون هذا الإجراء لأنهم أصلا لا يهتمون بأبنائهم ولا حتى بالتعليم استهانة به وبرجاله وفي نظرهم ابنهم دائما مظلوم والأستاذ ظالم.
وبناءا على ما سبق يعجز الأستاذ عن اتخاذ اي قرار فلا يجد بدا من الاستمرار في تقديم دروسه بحضور هذا التلميذ العدو الذي يشعر بفخر ونصر أمام انهزام أستاذه وحقارته . بل يتطاول تلاميذ آخرون على الأستاذ لما يلاحظون انه عاجز وانهم في موضع قوة.وهي ظاهرة جعلت العديد من رجال التعليم يحسون بالمهانة والمذلة، بل هي وضعية ساهمت في تنامي العنف ضد الأساتذة من طرف التلاميذ مادام القانون ينصرهم في مقابل تحميل الأستاد مسؤولية أي رد فعل من طرف التلاميذ كلما نشب خلاف بينهما.ومن هنا نفسر أيضا تنامي ظاهرة الانتقام من طرف بعض الأساتذة على التلاميذ، بالطرق المتعددة والصور الممكنة رغم دناءتها ومنافاتها لرسالة الاستاذ السامية والشريفة.
هذه الأمور وغيرها ساهمت في سقوط قيمة التعليم وقيمة المعلم وجعلت الجيل الجديد يرفضهما معا ويعتبرها عدوه اللدود، الإمتحان طرف في هذا الصراع إذ ينظرإليه هذا الجيل إليه على انه وسيلة انتقامية من الأساتذة ، لذا يتعاملون معه بالغش للفوز فيه على الأستاذ. ولا نغفل عن الحقيقة إذا قلنا بأنه فعلا في عدد من الحالات يكون الامتحان وسيلة لانتقام الأساتذة من التلاميذ وهو ما لاحظناه في الإمتحانات التعجيزية التي تطرح هنا وهناك في الجامعات ومراكز التكوين والمراقبة المستمرة لايكون الغرض منها تقييم المكتسبات وإنما الانتقام من التلاميذ بذكاء..
هل هناك معارف يمتحن فيها التلميذ ؟
ما هو الإمتحان: إنه مجموعة من الإجراءات الاختبارية لمعرفة مدى تمكن التلميذ من مكتسباته وقدرته على توظيفها بالشكل الصحيح لحل مشكلات اعتمادا على ضوابط معرفية منطقية معقدة .
ولكن السؤال: هل هناك أصلا في تعليمنا الحالي معارف مكتسبة يمتحن فيها التلميذ؟؟.هذا سؤال آخر يفتح أبواب أخرى للنقاش ولكنها تضع أيدينا على مكامن الجراح.
صحيح أن المغرب العزيز خطا خطوات هائلة في شكليات المدرسة، كتمدرس الفتيات ،ووصول المدرسة إلى مناطق جد نائية ، وتوظيف الإمكانيات الرقمية في النتائج من خلال (مسار) ، وإعطاء المرضى والسجناء والمعاقين حقهم وفرصتهم في اجتياز الامتحانات الاشهادية ، وكل هذا رائع ويحسب لنا ،ولكن هذه شكليات فأين هي المعرفة في كل هذا؟؟
إن ما نقدمه للتلميذ – والذي يرفضه التلميذ أصلا – هو معلومات مريضة متآكلة تشكو الوهن في كل مادة.ولا تساير عصر التلميذ ولا اهتماماته غالبا، ولو طلبنا من المختصين بكل مادة لجف مداد اقلامهم دون ان يستوفوا هفوات وعيوب مادتهم . وأشير بعجالة الى عيب واحد في كل مادة للتوضيح
**ففي التاريخ لازلنا نقدم للتلميذ معلومات تاريخية مغلوطة وبعيدة كل البعد عن حياد العلماء ، فنعظم دولة تعجبنا ونحقر أخرى نختلف معها سياسيا .وننتقي ما يناسب سياستنا دون أمانة علمية،والدليل على ذلك ان تاريخ المغرب في كتب دول اخرى يختلف عنه في كتبنا.

وفي الجغرافية لازلنا نقدم للتلميذ إحصائيات قديمة جدا ونبنى عليها نتائج معاصرة.والمادة تدرس بالطريقة التقليدية بينما في الاصل تحتاج الى خرجات ورحلات وأنشطة خارجية موازية كثيرة . تحتاج الى ترخيص لا يسلم غالبا.
**في اللغات: أسوق مثالا حقيقيا لمعاينة التخبط الغريب في شأنها :
.في مؤسسة تعليمية إعدادية يعاني أساتذة اللغة العربية واللغة الفرنسية الأمرين بسبب تدني مستوى التلاميذ فيهما.فتفرض على تلاميذ السنة التاسعة لغتان جديدتان مرة واحدة هما الأنجليزية والألمانية وبعد سنة من المعاناة ، انتقل التلاميذ الى جدع مشترك في مؤسسات مختلفة منها التي أصبحت تدرسهم لغة اخرى هي الاسبانية..؟؟؟؟
**وفي مواد التفتح: نجد بمؤسسة مادة تفتح واحدة وبأخرى مجاورة أربعة أو خمسة مواد والمشكلة هي في كثرة الحصص الدراسية وفي الإختبارات المحلية عندما يجتاز التلميذ اختبارات في كل هذه المواد في مقابل اجتياز زميله في مؤسسة أخرى لإختبار واحد، فأين هي تكافؤ الفرص؟؟؟؟ ثم ما هي قيمة أن يدرس التلميذ الموسيقى والفنون التشكيلية والتربية الأسرية وغيرها لسنة واحدة ثم تحذف في باقي السنوات اللاحقة…انه ارتجال واضح في التخطيط وعشوائية يتحمل نتائجها التلميذ وتشوش عليه . إذ المفروض أن ينتقي التلميذ مادة التفتح واللغة التي يميل لها ويستمر في تعلمهما طوال مساره التعليمي وليس في شهور ثم تستأصل نهائيا.
**وفي الرياضة ماذا نقدم لأبنائنا، إن المؤسسات تفتقر إلى أدنى التجهيزات لذلك يتم الاعتماد على نشاطين رياضيين طوال مراحل تمدرس التلميذ -الجري والكرة-.فهل هذه هي الرياضة؟
**وفي العلوم والرياضيات والفيزياء: نعلم بأن المعرفة تتجدد بين الفينة والأخرى وعمرها يعد بالدقائق أحيانا، فقد أصبحت المعرفة في العالم قصيرة العمر. أما نحن فلازلنا ندرس التلميذ المعلومات التي تجوزت منذ سنوات والتي خضعت لتغيير وتطورقد ينسخها احيانا أو ينفيها. بيد أننا لا زلنا ندرسها بنفس مضامينها المتجاوزة ونفس الطريقة العقيمة التقليدية .ما دامت مقررت ومنذ عقود خلت . والأستاذ نفسه مسؤول عن هذه الكارثة لأنه لا يجدد ثقافته ولا يعصرنها.
**وفي الإسلاميات: كان التلميذ في السابق ومنذ التعليم الابتدائي يكون قد حفظ عددا من السور القرآنية الصغرى والمتوسطة (الملك – الرحمن – الواقعة – المجادلة -….) واليوم ماذا يحفظ خلال كل تمدرسه إنها آيات متناثرة ؟ ولا زلنا نتجنب تحديث المادة رغم ان الاسلام يناسب كل الازمنة ويتطور بتطورها…
**وفي العربية: رغم البصيص الايجابي الذي جاء بعد الاستقلال فإننا تراجعنا بشكل مؤسف وخصير عن مكتسباتنا بسبب حذف ساعات من المادة وحذف مواد منها …ولو قمنا بمقارنة بسيطة بين تعليمنا السابق الذي انجب عباقرة وتعليمنا الحالي الذي قتل العربية فإننا سنتلمس بعض المسببات ، لقد كنا مثلا نشكل نصا كاملا ونعرب جملتين أو ثلاثة ونحفظ في كل شهر قصيدتين شعريتين من جواهر الشعر العربي ونقرأ روايات وقصص…واليوم نشكل كلمتين ونعرب كلمة واحدة مرتان في الشهر ولا ندرس الشعر أصلا إلا ما نذر أما الحفظ فقد ألغي كليا..و رغم كل التقليص والتقزيم لمحتويات المادة فقد أصبح بعض التلاميذ يحصلون على الصفر في الامتحان في العربية وهو ما لا يعقل أصلا. والمهزلة الكبرى عندما نقدم نصوصا للتلاميذ تتحدث عن قضايا قديمة جدا لاتمت لهم بصلة ولا تهمهم اصلا وقد أكل عليها الدهر وشرب فلا تثير اهتماماتهم ولا تخدم واقعهم بل ليس فيها حتى مقاييس إبداعية جمالية لكونها نصوص جوفاء عقيمة منها ما كتب منذ قرن من الزمن ولا زالنا ندرس لأبنائنا ،رغم وجود ادباء محدثيم معاصرين اكفاء. ولست بحاجة إلى بيان تفاهة هذا الانتقاء النصي السخيف.
ماذا فعلت الوزارة لمواجهة المشكلة ؟
السؤال الذي يفرض نفسه هو : ماذا فعلت الوزارة لحل المشكلة ؟
إن كل ما قامت به هو إجراءات زجرية تستحضر عصر التهديد وتتجه مباشرة نحو التلميذ أولا فتراقبه بأجهزة ( متطورة ) تكتشف الهواتف .ولكن العجيب في الموضوع أنه بعد مرور لجان المراقبة المتطورة في بعض المؤسسات ضبط الحراس عدة هواتف عند التلاميذ لم تكتشف تواجدها الأجهزة .مما يؤكد تفاهة هذا التوجه وعدم فاعليته في ظل تفوق الطلبة تكنولوجيا على المسؤولين ، وكان أولى أن يتم التنسيق مع شبكات الاتصال الهاتفي فتقطع الاتصال بالمؤسسات ومحيطها. وهي التجربة التي نجحت في دول أسيوية . أما الاجراء الثاني فقد حمل نفس اللمسة الزجرية وخص الأساتذة الحراس حيث شملهم الوعيد والتهديد والتحدير إن ضبط عندهم هاتف . وفي هذا ما فيه من الإهانة المباشرة لكرامة الأستاذ ووصفه بعديم الضمير والغشاش مادامت تسحب ثقتها منه وتهدده بدوره وما هدا بجديد على وزارة تعلق كل أخطائها على رجل التعليم ، ولا تعتبره شريكا في الاصلاح بل منفذا سلبيا ليس إلا..
إن هذه الوضعية التي اصبحنا نعاني منها في الامتحانات تتطلب منا إعادة النظر في طريقته لتساير التطور أولا ولتتجاوز إشكالية النقل ثانيا ليصبح للإمتحان المصداقية العلمية. فرغم ادعائنا بتطوير وسائلنا التعليمية فإننا نلجأ في الإمتحانات الاشهادية إلى الأسئلة النمطية الموروثة العقيمة والقديمة جدا بنفس الشكل الذي طرحت به منذ عقود..فما هي الفائدة من محاولة التحديث ما دام الامتحان مصر على شكليات الماضي والدليل على ذلك هو أن المقارنة بين امتحان لهذه السنة وامتحانات السنوات العشرين أو الثلاثين الماضية لا تجعلك تلامس أي تغير لا في المكتسبات ولا في الأسئلة ولا حتى في طريقة بناء ورقة الامتحان…فعن أي تطور نتحدث إذن ؟ وأين هو توظيف التكنولوجيا الحديثة الذي لم نوظفه في غير امتحان السياقة في بلدنا..
إن الغش أصبح حالة مرضية مستعصية لأنه نخر عظم التعليم العليل أصلا ولا يمكن أن نجد له علاجا إلا بعد علاج المنظومة التعليمية ككل .وإعادة النظر في المحتويات التعليمية وعصرنتها شكلا ومضمونا مع الاهتمام بالأنشطة وتفعيل الأندية. وإعادة الاعتبار للامتحان بتحديد عتبة النجاح في معدل 10 وفي كل المستويات ومعاقبة كل من يخل بسير عجلة التعليم مهما كانت مرتبته ومنطقة القرارات والبرامج وإعادة الاعتبار لرجل التعليم ماديا ومعنويا و تفعيل التشاركية الحقيقية بين الشركاء كلهم وفتح الآفاق المستقبلية للتلاميذ بالشواهد . وإعطاء حيزا للخلق والابداع لكل الأطراف المعنية .مع وضع الثقة في الجميع بحسن نية . والتعامل مع التعليم على أنه حق إنساني مشروع وأنه واجب وطني وحضاري وأنه رسالة سامية لها قدسيتها وقدسية المسؤولين عنها وليس مرحلة إجبارية يمر عليها التلميذ بعلاقتها وكفى.

اظهر المزيد

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى